هو السِلْم والسلام والاستسلام لأمر الله عز وجل؛ فقد جاءت الشرائعُ السماوية كلُّها لتعمل على تربية الإنسان وإعداده إعداداً صحيحاً رُوحياً ومادياً وفكرياً، ليصبح الإنسانُ الركيزة الفعالة في بناء المجتمعات الإنسانية المتقدمة والمتحضرة؛ لذلك أوصتْهُ الشرائعُ السماوية بكل ما ينفعه ونَهَتْهُ عن كل ما يَضره. لقد أتت الشرائعُ السماوية بأصالتِها لِتُحرر عقل الإنسان وتحوِّله إلى عقلٍ متنور ناضج، ولَم تأتِ لِتتناقض مع العقل والحقيقة، بل أتت لتنسجم مع العقل وتُنمِّيَه وتَنصُرَه.
وإذا كانت شعوب العالم تتطلع إلى تحقيق السلام العالمي فإنَّ جميع رسالات الأنبياء تأسست على بناء السلام بين الإنسان وربه، وبين الإنسان والإنسان؛ فهذا نبيُّنا سيدُنا محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول في وصاياه: «الراحمون يَرحمهم الرحمنُ، ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم مَن في السماء» [أخرجه أبو داود (4943) والترمذي (1924)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. وقال الترمذي: حسن صحيح]. والقرآن الكريم يصِفُ نبيَّنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- فيقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} سورة الأنبياء، الآية رقم (107)]. ويقول الله –تعالى- في القرآن الكريم: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ} [سورة يونس، من الآية رقم (25)]. والإسلام جعَلَ تحية المسلمين بين بعضهم دعوة للسلام والرحمة
والحقيقة أن الإسلام لَم يأتِ لِيُلغيَ الأديانَ السماوية التي سبقتْهُ، وإنما جاء مجدِّداً ومتمماً لها، وإلى هذا أشار نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجلٍ بنَى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضعَ لبنةٍ من زاويةٍ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلاَّ وُضعَتْ هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين» [أخرجه البخاري رقم (3342)، ومسلم رقم: 22 - (2286)، عن أبي هريرة رضي الله عنه]. والله –تعالى- يقول في القرآن الكريم: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ} [سورة البقرة، الآية: (136)].
وسيدُنا محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أنا أَولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياءُ إخوةٌ لِعَلاَّت؛ أمهاتهم شتى ودينُهم واحد» [أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه. (صحيح البخاري رقم (3259))، و(صحيح مسلم رقم 143 - (2365))]. وهكذا لم يأتِ المسيحُ -عليه السلام- لِيهدم رسالة موسى عليه السلام، ولَم يأت محمد -صلى الله عليه وسلم- لِيُجرد المسيحَ من رسالته، فكل نبي أتى مصدقاً لمن سبقه، والنبي السابق أتى ممهداً لمن بعده، والقرآن هو مَجمع كل رسالات السماء، ودعوة للإيمان بكل أنبياء الله، فالأنبياء جميعاً تخرجوا في مدرسة واحدة، ومُعلِّمُهم واحد وهو الله جلَّ جلاله.